شهدت دبي على الدوام تاريخاً تجارياً حافلاً، وكانت بمثابة نقطة عبور للقوافل التجارية السالكة للطريق التجاري، الذي يمتد من العراق إلى عُمان براً، ومرفأ استراتيجي لكل السفن التي تنتقل بين الهند وشرقي أفريقيا وشمالي الخليج العربي. وقد جعل هذا الموقع المتميز من دبي مركزاً تجارياً عالمياً، يمتزج فيه الكثير من الثقافات والتقاليد، حيث انعكس ذلك على جميع ملامح المدينة وعلى العمارة فيها. ولقد انصهرت فنون الأمم الأخرى في دبي، لتصبغ فن العمارة بثراء لا نظير له، فعلاوة على الاحتفاظ بطابع الأصالة العربية، أغنى التنوع فن العمارة في المدينة وأضاف إليه فنون آسيا وأوروبا.
أحد الأبراج في دبي
ويقول م. هوتن من البحرية البريطانية الملكية في تقريره الذي يصف فيه دبي عام 1822: "إن دبي عبارة عن مجموعة من الأكواخ الطينية المتآخية، محاطة بجدران قوية تستند إلى ثلاثة أبراج مستديرة ومبنى على شكل قلعة مربعة، ثبتت عليها ثلاثة أو أربعة مدافع، وكذلك تم نشر ثلاثة أو أربعة مدافع فوق البرج الغربي، الذي يطلّ على جرف صغير يمتد داخل الخور".
وقد تم بناء قلعة الفهيدي في العام 1799، وهي عبارة عن قلعة مربعة الشكل كما وصفها هوتن، وكانت تعد منزلاً للحاكم وملجأ للسكان في حالة حدوث أي هجمات مفاجئة، وهي الآن مقر لمتحف دبي.
وقد أسهمت ثلاثة عناصر رئيسة في تشكيل فن العمارة في دبي، وهي: المناخ (كونه حاراً ورطباً)، التعاليم الدينية والعادات والقيم الاجتماعية ، توافر مواد البناء محلياً.
وللتقليل من حدة الحرارة، تم بناء البيوت قريبة جداً من بعضها بعضاً، تتخللها ممرات ضيقة، تمتد من الشمال إلى الجنوب وتطل نهايتها على الخور. وكانت جدران البيوت المرتفعة توفر قسطاً كبيراً من الظل لهذه الممرات معظم ساعات النهار، تاركة الهواء يتخللها لتبريد المكان، وقد أسهم هذا التصميم للبيوت في خلق نظام تكييف ذاتي جيد، حيث تركت فتحات في غرف الجلوس تطل على الساحة الداخلية للمنزل، للسماح لنسمات الهواء بالنفاذ لجميع أرجائها. ويعد هذا النمط من التصميم منسجماً انسجاماً تاماً مع التعاليم الدينية والقيم الاجتماعية، التي تراعي خصوصية كل فرد، مع العلم أن معظم البيوت خلت من الفتحات، عدا فتحات التهوية الموجودة في أسقفها. وكان يحول بين البيت والمدخل جدار عالٍ يحتم على الزائر أن يسلك التفافاً حاداً قبل أن يدخله، وذلك لضمان عدم رؤية المارة لسكان البيت. وتبرز بوابات البيوت بشكلها الجميل، مزدانة بزخارف محفورة ببراعة، معظمها يحاكي فنون الحفر في الهند.
متحف دبي
وقد اتسمت مواد البناء المحلية بالبساطة، مع ملاءمتهاللظروف الجوية الصعبة ونمط الحياة، وتنوعت أشكال البيوت، فمنها بيوت البدو الرحل الذين كانوا في موسم الشتاء يسكنون خيماً مصنوعة من شعر الحيوانات وجلودها، وأما في الصيف فكانوا يقطنون أكواخاً تبنى من سعف النخيل، ويسمونها العريش.
في العام 1894 هبّ حريق في منطقة ديرة، إذ التهمت النيران معظم بيوتها، مما دفع الناس إلى التفكير في اعتماد نمط عمراني جديد، وقام الأثرياء ببناء مساكنهم من الحجارة المرجانية ممزوجة بالجبس، أما من لم يستطع فظل يسكن الأكواخ المصنوعة من سعف النخيل.
ويعد استحداث أبراج الهواء (البراجيل) عنصراً معمارياً مميزاً لفن العمارة في دبي في أوائل القرن العشرين، وقد استخدمت العرب هذه الأبراج لسنوات طويلة، وتوجد في كل برج أربع فتحات مجوفة على شكل حرف V ، تدفع الهواء من الأعلى إلى الأسفل، مما يؤدي إلى تكييف البيت من الداخل، وللمساعدة اعتاد الناس على رش المياه على أرضية البيوت لتلطيف الجو بتبخرها، أما في حالة زيادة نسبة البرودة فيتم إغلاق الفتحات.
وقد شكل البيت، الذي تم بناؤه العام 1896 واتخذه الشيخ سعيد آل مكتوم مقراً له، نموذجاً مثالياً لفن العمارة في تلك الفترة، وكانت غرف هذا البيت تطل على ساحة داخلية رحبة، تمت صناعة أبوابها من خشب الساج، وأحيطت النوافذ بنظام تشبيك خشبي رائع ودربزينات مزخرفة.
كما كان يعلو سطح البيت أربعة براجيل، وقد أعيد ترميم هذا البيت مؤخراً ليستخدم متحفاً للصور.
مثال آخر على فن العمارة في دبي، مجلس الغريفة، الذي تم ترميمه حديثاً، وقد بني هذا المجلس في العام 1955، وكان يستخدم مصيفاً للشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم.
وفي أوائل القرن العشرين ازدهرت التجارة في دبي، فتم تشييد العديد من المساجد في المناطق السكنية والتجارية لتسهيل أداء الصلاة، إذ كان المسلمون يتجمعون لأداء صلاة الجمعة في المسجد الكبير، الذي يقع على خور دبي ويتميز بطرازه الفريد وبمئذنته المتميزة وقبابه البالغة (52 قبة).
شارع الشيخ زايد بدبي
ومع اكتشاف النفط، شهدت دبي انفجاراً سكانياً غيرمسبوق، وأصبحت خلال السبعينيات تضم التجمع الأكبر للسكان على مساحة محدودة، فظهر نظام الشقق والبنايات إلى جانب البيوت التقليدية. وقد تم بناء البنية التحتية لدبي، من طرق وإسكان وأنظمة صرف وأبنية المكاتب... الخ، في هذا العقد من الزمن. وكان أهم هذه البنايات مركز دبي التجاري العالمي، الذي يتألف من 39 طابقاً.
وقد أسهم فنانو العمارة في دبي منذ الثمانينيات في تطوير مشاريع معمارية تواكب التطلعات الحضارية للسكان، وتم بناء فناء ونوافير مياه في مبنى بلدية دبي، كما تمت إضافة أقواس تقليدية إلى مبنى مستشفى الوصل.
واستمر التطور في فن العمارة في دبي عاماً بعد آخر، ففي التسعينيات تم اعتماد مشاريع للتحديث، وانتشرت الحدائق العامة في مناطق متعددة من دبي.
وأسهم توفر جميع المواد ووسائل التكنولوجيا هذه الأيام في خلق تصاميم جديدة في فن العمارة بدبي، فنرى الآن البنايات الرائعة والفخمة في جميع أرجاء دبي، مثل مركز برجمان للتسوق وأبراج الإمارات وفندق برج العرب وفندق جميرا بيتش، وجميع المعالم التي تتميز بتصميم معماري حديث مع الإبقاء على لمسات من فن العمارة العربي التقليدي.
من موقع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ال مكتوم
مما راق لي__
احتراماتي...